فلوسي...فلوسي، أو حينما يصطدم الجبلي بحماته.
بقلم المودن أحمد من ودكة بني زروال تاونات.
سمع التجاني دقا على بابه...سأل عن الطارق فإذا هو " ولد المغانة " جاء يطلب وساطة التجاني لحل مشكلته مع زوجته " طاهرة "...كان المسكين "مكربشا"،مقطع الثياب، ينطبق عليه المثل الشعبي " أدقول فلث للطيور"...
طلب التجاني من زوجته نبيلة مرافقته الى دار " ولد المغانة " لمحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه...
ولد المغانة شاب عنيد جدا اشتهر بعناده منذ طفولته...لذا لقبه أصدقاءه بهذا اللقب الطريف...تزوج بطاهرة في أواخر الثمانينات بالبادية حيث كان راعيا للماشية بها...وبعد سنتين من زواجه هاجر إلى مدينة فاس...اكترى بيتا صغيرا بأحد أحيائها الهامشية، ثم اشترى عربة يطوف بها المدينة يوميا ليبيع الخضر...
كان أكبر مشكل يعاني منه هو مطاردة القوات المساعدة له...ولكن رغم ذلك فقد كان يحصل على مدخول يومي محترم سمح له بأداء الكراء و نصيبه من استهلاك الماء و الضوء...و الباقي كانت طاهرة تتكلف بجمعه ل" دواير الزمان"...رزق ولد المغانة بطفلة ثم بثانية ثم بولد...غير مسكنه مرارا...درس اﻷبناء و البنات...وكافح إلى أن حصلت الكبيرة منهن على شهادة الباكالوريا...
لم يعد نصف الشقة يكفي للأسرة التي أصبحت تتكون من خمسة أبناء، وأب و أم ينامان غير بعيد عن عيون اﻷطفال...
كانت الأمور تسير على أحسن ما يرام رغم بعض المشاكل البسيطة التي لا يكاد يخلو منها أي بيت...
ذات يوم اقترحت الطاهرة على ولد المغانة فكرة شراء شقة صغيرة...وافق الزوج على الفور فقد أنهكه الكراء و الرهن...ولكن المشكل الذي صادفهم هو عدم كفاية ما جمعوه من نقود لشراء الشقة...
اقترحت الزوجة أن تطلب قرضا من أمها، فأكيد لن ترفض طلبهم، خاصة و أن ولد المغانة له مرتبة خاصة عند حماته "أمي السعدية" ...
وفعلا كان له ما أراد فقد توصل بالمبلغ ثم اشترى شقة..بل و غير مهنته ليعمل مساعدا لرصاص ثم حارسا ليليا لإحدى الإقامات ثم مياوما...ثم عاطلا عن العمل...
وبدأت شكوك الزوجة تكبر يوما بعد يوم...إذ أصبحت تتهم الزوج بأنه يخبأ النقود بالبنك على غير عادته!!!
ثم جاءت أمي السعدية تريد نقودها فاعتذر لها بكونه يعمل يوما و يجلس يومين...وقد كان هذا الرفض بمثابة إعلان للحرب...
بدأت الحرب "بالمعيور" لتنتقل للتشابك باﻷيدي...ثم الضرب المبرح ثم "الكوميسارية"...
حاول الزوج طرد زوجته من المنزل فقالت له : " اخرج أنت إنها دار أمي..."
كان الزوجان يتخاصمان أمام أعين اﻷبناء و الحماة...لتتدخل الفتاتان ذات يوم لمساندة أمهما فأكل ولد المغانة ما يأكل الحمار...بل أنهن جاهدن فيه بالعصي و اﻷظافر ليرسلوه عند التجاني "مكربشا مدغدغا " وكأنه "فلت للطيور"
ذهب التجاني صحبة زوجته الى حيث يسكن "ولد المغانة"...وعند وصولهم،طلب من الزوج البقاء في الخارج كي لا يفسد عملية إصلاح ذات البين...
وبداخل المنزل كان الكل مستعدا بعصاه معتقدين أنه الزوج جاء مهاجما...استعمل التجاني كل دهائه لتلطيف الجو و أقنع الفتاتين أن ما فعلا يعتبر عقوقا للوالدين...فبكيتا...كما ساهمت زوجة التجاني في تهدئة الزوجة...ثم تم النداء على الزوج...و بعد ثلاث ساعات من اﻷخذ و الرد ، عقد الصلح...
قام التجاني مودعا ليفاجأ بأمي السعدية تفسد كل شيء صارخة بأعلى صوتها :" فلوسي... فلوسي...أنا بغيا فلوسي..."
لتبدأ الحرب من جديد...تدخل الجيران و المارة...
فتسلل التجاني وزوجته فارين حتى لا يصابا بإبريق طائش أو يد مهراز من دون طيار...
بعد أيام قالت نبيلة لزوجها التجاني :
- ما رأيك يا عزيزي لو بعنا منزلنا و اشترينا منزلا جديدا أكبر من هذا؟
فأجابها مستفسرا: " و لكن ثمن منزلنا لن يكفي لشراء منزل أكبر...
فقاطعته :
- لا تشغل نفسك سأطلب من أبي أن يقرضنا...
ليقف التجاني بعدما كان جالسا و هو يقول :
-شوف الله يرحم الوالدين أنا مفيا ميتكربش من وجهي وما عندي صحة باش نكول الزلاط ..."
فتبادلا الإبتسامة و حمدا الله على منزلهما المتواضع...
ملحوظة :
_ المغنان أو المغانن أو المعكس = العنيد المتشبث برأيه حتى وإن لم يكن على صواب.
_ كربش = خدش بالأظافر.
_ فلث للطيور = ؟؟؟