مذكرات التجاني الحلقة 85
" ذكريات من الزمن الجميل "
بقلم المودن أحمد
كانت سعادة التجاني كبيرة حينما أمره أبوه بطلب البغل من العم الطيب...فقد عرف أنه سيكون يوم درس الزرع بالبيدر المطل على دار الحبيبة...- سيكون يومُ حُبٍّ و حَبٍّ...
هكذا اعترف التجاني لنفسه وهو يقتلع نبتة " العطاسة " لتحنيك "النادر " بما اجتمع من روث البقر...
حمل لفافة العطاسة ومر على دار العم الطيب...جرَّ البغل بعدما شكر صاحبه ، ثم قفز فوقه و أمر بصوت عال:
- أرا زيد أرا...
وما أن دخل العم الطيب إلى بيته حتى نزل التجاني عن البغل و ربطه، فقصد دالية وملأ حِجْرَهُ عنبا، ثم عاد لقيادة البغل...
اشتدت حرارة شمس الظهيرة، فاجتمع اﻷب و اﻷبناء وربطوا البهائم لتبدأ عملية الدرس...
يمسك خلوق بالحبل ويبدأ بالقول :
- باسم الله وتوكلنا على الله...أرَّا دور أرَّا...
تجد البهائم صعوبة في تخطى "غُمور" الزرع الذي يُلقي به التجاني و المجاهد و اﻷب من "أَفَشْقَارْ "باتجاه البيدر...ولكن باستعمال خلوق " للمْصيوطة " تتخطى البغال الحواجز لتتساوى جنبات "الدَّرْسَة " ...حينها فقط يمسك التجاني بالحبل وهو يردد بزهو:
- عايد عايد عايد
ولأنه يحق لمن يمسك بحبل القيادة أن يرفع صوته إلى درجة أن يسمعه كل سكان المدشر، فقد كان التجاني ينظر الى دار الحبيبة و يخاطب البهائم :
- على لطراف الحبيبة على لطراف...
وكأنه يرسل لها رسالة عبر الأثير...فيكون جوابها على الفور بالقاء اطلالة من شرفة منزلها...
يتناوب الحاضرون على المسك بحبل البغال في حين يدفع الآخرون التبن بالمذرة ومنهم من "يشطب " ما تناثر من زرع وتبن بشطابة من العطاسة اليابسة.
ينتهي الشوط الأول، فيتناول الأب و اﻷبناء ما جاد به مطبخ اﻷسرة من شاي و خبز و زيت...وبعدها يتم قلب "الدرسة "...ثم تكرر عملية الدرس...
اﻷب وحده من يملك حق إعلان نهاية العملية...إذ ما أن ينطق بجملته المحبوبة "صافي راها طابث " حتى يبدأ الشباب في جمعها على شكل تلة...
الشمس تقترب من مغربها و الرياح غربية...إنه الجو الناسب لتصفية الزرع...
يغيب اﻷب للحظات ليؤدي صلاة المغرب بالمسجد الذي تحيط به البيادر من كل جهة...فيغتنم الشباب الفرصة للدعابة و السخرية وذكر المستملحات و هم يُصَفُّونَ بالمذرات إلى أن يُعزل التبن الكثيف وتطل حبات القمح، وهم يغتنمون هبوب الرياح التي تنقطع من حين لآخر...
حين يمر شخص قرب البيدر يخاطب الشبان قائلا :
الله إيعاون ألولاذ ...الله يحضر البركة و يقوي العشور...
مباشرة بعد مجيء اﻷب " يتعقل" اﻷبناء ويطبقون قرارات اﻷب التي تأمر باستعمال اللوح عوض المذرة...
حمل عبد السلام "لامبة " للإضاءة...فالمفروض إنهاء العملية ليلا ما دامت الحبوب قد أصبحت ظاهرة...
يستمر اﻷبناء في عملهم دون كلل، و بين الفنة و الأخرى يتدخل اﻷب لينهر أحدهم لأنه دخل إلى البيدر بحذائه...
صمت رهيب يسود وقت ملإ اﻷكياس...
سأل التجاني أباه عن سر هذا الصمت و هما يحملان الحبوب إلى المنزل، فأجابه بثقة :
- باش كتحضر البركة...